الثلاثاء، 26 يناير 2016

1916 - 2016 مائة عام على تقسيم الشرق - 1. الخليج

في فبراير 1979 وقف العالم مشدوها وهو يشاهد علي شاشات التلفاز هبوط طائرة الإمام الخميني في مطار طهران عقب الإطاحة بشاه إيران وبعدها بخمسة شهور في يوليو 1979، وقف العالم مرة ثانية مذهولا وهو يري علي الهواء مباشرة وقائع " قاعة الخلد" في العاصمة العراقية بغداد، والصعود المدوي والدموي لصدام حسين......  وبعدها بثلاثة عشر شهرا دارت ماكينة القتل والصراع المجنون الذي دوت مدافعه وصواريخه علي مدار سنوات ثمانية بين الدولتين العراق و ايران ( 1980 – 1988) حتى توقفت أخيرا في أغسطس 1988 . وغير بعيد مكانا وزمانا عن تلك الأحداث كانت الدول الأكثر اندهاشا أو لنقل الأكثر فزعا تلك المجتمعات القبلية , الأسرية , العشائرية , البترولية  , وماكينة الأموال المتراكمة علي ضفاف الخليج يتزعمها عاهل السعودية وحوله أسر حاكمة في خمسة أمارات علي طول الساحل الجنوبي والغربي للخليج العربي وبحر العرب سارعت تلك الدول من فرط الخوف بعد انطلاق الصراع المحموم بين دولتي الخليج القويتين العراق وإيران - وكان الصراع في أحد أسبابه الخفية هو صراع علي لقب " جندرمة " الخليج العربي كما ذكر أحد الكتاب في حينها - سارعت دول الخليج بتأسيس مجلس التعاون الخليجي ومن بعده قوات درع الجزيرة في محاولة للتكتل خوفا من المجهول .... الآتي لا محاله .









لكن المحاولة الأكثر واقعية هى التي دارت في الكواليس كانت البحث عن صمام أمان قديم جديد – مصر , والتي قطعت دول الخليج علاقتها الدبلوماسية معها 1977 ثم عادت وأبدت استعدادها لعودة العلاقات الطبيعية وخاصة بعد دخول القوات الإيرانية إلي الأراضي العراقية في 1982 وما تابعها من أحداث اجتياح الجنوب اللبناني بل ودخول القوات الإسرائيلية إلي بيروت  .
أرانا قد أوغلنا قليلا في العودة إلي الوراء ولكنها مقدمة لا بد منها فهاجس الوجود أو بمعني أدق الاستمرارية هو ما يحرك دول الخليج التي تتصرف أحيانا بعقلية الرجل الغني الذي ليس له وريث وينتظر أهله موته طمعا في الثورة.
في مايو من العام الحالي والذي أوشك أن يطوي أوراقه ويرحل إلي كتاب التاريخ وقف المتحدث العسكري - وهو مختلف شكلا وموضوعا عن العقيد أحمد الرباعيين المتحدث باسم القوات السعودية والخليجية عموما المشتركة في عملية تحرير الكويت يناير – فبراير 1991  - خرج العميد أحمد العسيري ليعلن بداية عمليات عاصفة الحزم ضد المتمردين الحوثيين في اليمن ولعل اسم العمليات ينبئ عن الهدف منها " عاصفة الحزم" ....فما الدافع الحقيقي وراء هذه الخطوة؟.

بالنظر إلي الجزيرة العربية يبدو اليمن استثناء فالنظم السياسية الحاكمة في الجزيرة والخليج كله هى نظم ملكية وراثية بينما اليمن بشكل أو بأخر يخضع منذ 1967 لنظام جمهوري تأثر طويلا بالتجربة الناصرية في مصر ونظام اشتراكي في الجنوب متأثرا بالاتحاد السوفيتي وتجمع النظامان فيما بعد 1990 ثم اهتزت الوحدة بينهما في 1994 لتستقر في النهاية تحت حكم الرئيس علي عبد الله صالح المدعوم سعوديا وخليجيا بل .. وأمريكيا  , لكن أحداث 2011 والتي استمرت في اليمن بكل تداعياتها وآثارها ظلت هاجسا خليجيا بامتياز سبقه أحداث البحرين في فبراير ومارس 2011 والتي قمعتها سريعا قوات المملكة العربية السعودية ومعها مشاركة إماراتيه وأخرى خجولة من الكويت  , خمدت نيران الثورة في البحرين لكنها لم تخمد في اليمن وتداعت الإحداث بعد محاولة اغتيال الرئيس صالح ( يونيو 2011) سريعا فالرئيس هادي لم يكن رجل المرحلة بالمرة والحل التوافقي برعاية سعودية خليجية لم يرضي أحدا ثم جاءت كارثة الاقتراح بتقسيم اليمن إلي إقليم لتصبح حالة هلامية لا هي فيدرالية ولا كونفيدرالية ولا مركزية ...........لاشئ  .
فجاء الصوت الأكثر تمردا والأكثر خطورة من جبال صعده للمقاتلين المتمرسين علي حروب الجبال والمدربين والمدعومين إيرانيا و......روسيا , وجاء الزحف الحوثي سريعا ومباغتا للجميع ليستولي علي كل اليمن الشمالي وعلي رأسه العاصمة صنعاء ثم يتوغل جنوبا بشكل خطير وصاعق وصولا إلي عدن وما إدراك ما عدن ؟؟!!! ميناء يمني ظاهرا سعودي باطنا ,, المنفذ البحري الجنوبي للسعودية رغم وجوده جغرافيا و سياسيا في اليمن علي سواحل بحر العرب  لكنه ليس سرا مخفيا فحجم الاستثمارات السعودية في عدن يزيد عن 70% من مجمل حجم الاستثمارات بها والبضائع الخارجة والداخلة إلي السعودية عبر ميناء عدن تكاد تقترب من 20% ( 19.8%) من حجم حركة الصادرات والواردات السعودية كما أنه ليس سرا أن ابن أحد كبار الأمراء في الأسرة المالكة السعودية يمتلك و يدير أكبر شركات الشحن العاملة في ميناء عدن.

تحركت السعودية ومعها باقي المنظومة الخليجية باتفاق لم يعلن علي الملأ سوء بتلميحات من وزير الخارجية الراحل سعود الفيصل، اتفاق مع الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي " المدعوم سعوديا وخليجيا علي أن تشارك مصر ضمن القوات الخليجية التي أخذت ضربة البداية . ليست مصر وحدها من تم الاتفاق والتشاور معها فقد تم الاتفاق مع المغرب والأردن والسودان وباكستان ودرات آلة الحرب والقتل وما زالت تدور.
 هذه المرة لم يكن شبح البحرين فقط حاضرا,  ولا شبح صدام حسين ,, هذه المرة كان الهاجس الأخطر هو هاجس الوجود - وجود المملكة العربية السعودية وبالتبعية باقي المنظومة هو  الذي أصبح علي المحك فالسعودية التي ودعت عاهلها الراحل الملك "عبد الله " ليتولي آخر جيل الأبناء الملك " سلمان " حكم البلاد في طريقه لتسليمها إلي جيل الأحفاد أحفاد الملك "عبد العزيز أل سعود" ,  بدأت الهواجس تطارد الجميع بداية من الإطاحة بولي العهد الأمير "مقرن" وصعود الأمير "محمد بن سلمان" ومرورا بالأحداث المأساوية خلال موسم الحج من سقوط الرافعة وتدافع الحجاج في مني مما أدي إلي سقوط أكثر من 1100 قتيل في مشهد مأساوي علق عليه العديد من البسطاء في العالم العربي بأنه " نذير شؤم علي السعودية" ، ورغم بساطة التعبير وسذاجته لكن الأيام حبلي بالفعل بمفاجآت مأساوية لدول الخليج العربي كله وعلي رأسه المملكة العربية السعودية , بل أن هناك من السياسيين والمفكرين من خارج الخليج العربي من قالها صراحة أن " وجود دول الخليج العربي قد أصبح مهددا "  ووصل الأمر بالبعض أن قال " إن زوال  ممالك الخليج العربي والسعودية قد أصبح مسألة وقت وزاد آخر  محددا التاريخ فقال أن "دولة الكويت لن تكون موجود في عام 2022 " وأصدر كاتب بريطانى " كريستوفر دافيدسون" كتابا بعنوان "ما بعد الشيوخ" يتنبأ فيه بأحداث خطيرة تهدد كيان ووجود الإمارات الخليجية كلها، وقد يظن البعض أن الحدث هنا متعلق بإيران تلك الدولة الكبرى في منطقة الخليج والتي توصلت إلي اتفاق مع الدول الكبرى وعلي رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بعد مفاوضات طويلة وشاقة ( الاتفاق النووي) , وقد تحدث البعض همسا أحيانا وجهرا أحيانا أخرى أن أحد البنود الخفية في الاتفاق هو إطلاق يد إيران في الخليج العربي وهو كلام سطحي جدا فالحقيقة التي نقرأها بين السطور إن وجود النظام الإيراني ( نظام الثورة الإيرانية) سيسقط عاجلا أم آجلا هو الأخر.
قد يبدو الحديث موغلا في التشاؤم أو موغلا في التطرف أو قد يري البعض فيه شطحات غير عقلانية لكنها مع الأسف حقيقة أذكرها أو أتجرأ علي ذكرها ويعلمها الكثيرون غيري فالعالم كله يعاد تشكيله من جديد والمباراة الدموية التي درات في أوربا 1914 – 1918 ثم 1939- 1945 وامتدت إلي باقي العالم قد تم الاتفاق علي أن تلعب في أماكن أخري وبأيدي أخرى غير أيادي المقاتلين الأوربيين والأمريكان و الغربيين عموما أو علي الأقل بالحد الأدنى من الأيادي المقاتلة الغربية.
الخليج العربي  ومعه الشرق الأوسط كله هو المنطقة الفارغة والأرض المحايدة التي ستجري عليها أو تجري بالفعل أحداث المباراة العالمية الثالثة لكن هيهات...
.....حكي لنا الأجداد عن رجل قام باستدعاء "مارد" من مردة الجان لكنه فشل في أن يصرفه ليعود من حيث أتي واليوم نري أمامنا بالفعل مارد قد تم استدعاءه أو إخراجه من المصباح فهل يا تري سينجح من أخرجه في إعادته ثانية؟
أشك في هذا................










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الله يرحمك يا كابتن لطيف

الكابتن "شوبير" الطنطاوى , صاحب الصوت العالى و الدم "الخفيييييييييييييييييييييييييف" بشكل يلطش , أضاف الى مجمع اللغة ...