الاثنين، 13 فبراير 2012

تضليل الثورة و ضلال النخبة


تبدو الثورات لمن يتابعها بعيون ناقدة أو رافضة و كأنها فعل هدام قبل أن يكون بناء مما يجعل الكثيرين من منتقديها و معارضيها يتناولونها من هذه النقطة على أنها نقيض الاصلاح و يشرحون عادة – من وجهة نظرهم – أن مساوئ الاصلاح أقل بكثير من مساوئ الثورات و يضربون الأمثلة التاريخية ثم يخلصون الى نتيجة مفادها أنه على أرض الواقع و ان كان لابد من حدوث الثورات فيجب أن يتلقفها الحكماء ليرشدوا من اندفاعها حتى لا تحطم كل شئ و تقضى على آمال الاصلاح . و هى وجهة نظر تبدو لأول وهلة وجيهة فى طرحها و حكيمة فى تناولها للأمور – لكن الرؤية العميقة لهذا النقد للثورات تجعله يبدو خاطئا و يخدم أهدافا حزبية و نخبوية و طبقية ضيقة.
و يحق لنا أن نسأل لماذا يقال هذا الكلام فقط عندما يكون محور الحديث الثورات السياسية و الاجتماعية و الشعبية ؟ لماذا لا نسمع هذا الكلام مثلا عن الثورة الصناعية و العلمية و المعرفية و الكشوف الجغرافية ؟ لماذا أطلق على هذه الأنشطة اسم الثورات ؟ لماذا لم يوجه اليها النقد على أنها هدامة قبل أن تكون بناءة ؟
ألم تكن اكتشافات كوبرنيكوس و جاليليو و غيرهم من العلماء ثورات غيرت وجه العلم و العالم و الحياة كلها ؟
ألم تكن رحلة ماجلان و كريستوفر كولمبوس و فاسكودا جاما ثورات غيرت وجه العالم و الحياة ؟
ألم يكن اكتشاف البخار و توليد الطاقة الكهربية و محركات الاحتراق الداخلى و غيرها ثورات غيرت وجه العالم و الحياة ؟
لماذا يوجه النقد للثورات الشعبية و السياسية و الاجتماعية دون غيرها ؟
السبب ببساطة أن كل تلك الثورات العلمية و الصناعية و الجغرافية و غيرها من مجالات الحياة صبت فى النهاية لمصلحة جماعة صغيرة أو ممالك و بلاد بعينها و منحتها بمرور الوقت القوة و الهيمنة و المكاسب المادية و السياسية و غيرها . لم تستطع هذه الفئات و الطبقات و النظم الاجتماعية أن توجه النقد لهذه الثورات العلمية و المعرفية و الصناعية و غيرها بل على العكس شجعتها و مولتها و ساهمت فى استمرارها لا حبا فى العلوم أو الكشوف الجغرافية و لكن طمعا فى جنى المكاسب من ورائها و يمكن أن نراجع رحلات كولومبس لنعرف سبب خروجها و من قام بتمويلها
أما الثورات الشعبية ضد النظم السياسية و النخب الحاكمة فكانت و مازالت تمثل تهديدا مباشرا لتلك النخب و النظم و الطبقات و الجماعات على اختلاف أسمائها و أشكالها و أماكن تواجدها من بلد لآخر – تمثل تهديدا مباشرا بضياع كل تلك المكاسب المادية و السياسية و الاجتماعية التى ربحوها من وراء تلك الأوضاع فاذا ما سقطت نخبة تحت تأثير الثورات الشعبية يتقدم سريعا أو بطيئا من كان يرى فى نفسه البديل لهذه النخبة قد يكون حزبا أو جماعة أو طبقة أو فئة أو حتى مجموعة أشخاص نلاحظ بمرور الوقت أنها تبدأ بالحديث عن الثورة و العدالة و الحرية و غيرها من الشعارات و بمرور الوقت تكرس الأوضاع لنفسها و للنخبة الجديدة مهما اختلفت المسميات راجعوا ما حدث فى أوروبا الشرقية 1989
 أما اذا تطورت الأمور على عكس هذا السياق فاننا نلاحظ عادة و على مدار التاريخ أن هناك تدخلا خارجيا اما بصورة خفية أو سافرة و اصطناع أزمة أو مشكلة سياسية أو حدودية أو بدعوى حماية الأقليات و عندها تنشب حروب أهلية أو خارجية تأكل الأخضر و اليابس و تؤدى فى النهاية الى سقوط هذا النظام الجديد أو الذى كان جديدا و احلال نظام نخبوى آخر محله و يقبل به الشعب الجريح بعدما طحنته الحروب و المجاعات و الأمثلة عديدة من الثورة الانجليزية الى تطورات الثورة الروسية الى فيتنام و كمبوديا و ايران غيرها
 و مابين الحالتين تبدو ثورتنا المصرية و كأنها فى المنطقة الرمادية بينهما و هو ما يجعل العديد من القوى الخارجية و الداخلية تعمل بنشاط على الأرض المصرية داخلها و خارجها خوفا من أن تجذب الجماهير الثائرة مسار الثورة الى الحالة الخارجة عن السياق المرسوم و المرغوب بينما تمضى النخب – و ما هى بنخب – على الطريق الأول باستبدال نخبة بأخرى و الابقاء على التوازنات الخارجية و الداخلية و بناء عليه تحركت و مازالت فى نفس الاطار من حوارات الغرف المغلقة و التفاهمات الغير معلنة و تلقى التمويل المشبوه و التفاعلات الاعلامية بما يصب فى النهاية فى مصلحتها فقط.
و ما بين هؤلاء جميعا يقف شباب الوطن الحر الثائر و كل الفئات و الأطياف الملتحقة بركب الثورة لتمثل الرقم الأصعب فى المعادلة و هى الفئة التى تم تهميشها من الجميع و استباحة دمها و المتاجرة به و التلاعب به و رسم الفخاخ له من الجميع و بالرغم من ذلك مانزال و سنظل على عهد الثورة ما حيينا . انه الاختبار الأصعب – ربما فى تاريخ الثورات – فى العالم كله فالكل يترقب و يتحسس رأسه .
لا تنخدعوا بحوار النخب ووعودهم – انهم عبيد للسلطة و المال و الاعلام وحتى من كان يوما بيننا و اغتر بأضواء الكاميرات و المال و السفر للخارج فلم يعد له مكان بيننا فالثورة أنقى و أطهر من أن ينسب اليها مثل هؤلاء و ستمضى الثورة الى غايتها لتبنى المجتمع الذى كنا و مازلنا نحلم به رغم أنف الأحزاب المصطنعة و الجماعات و الحركات المتمسحة فى الديمقراطية و الدين و الثورة و هى فى واقع الأمر جزء من الفتنة و بقايا قذارة كانت تحيا بيننا و ستلحق بما سبقها من قذارة .
معركتنا طويلة يا سادة و لم يعد منها مفر و لا تهادن و لا تراجع أما أنصاف الحلول التى تحدثوننا عنها و أنتم تلبسون مسوح الحكمة فانها الخيانة العظمى و الثائر ليس بخائن و من أراد الرجوع عنها فلينزل من قطار الثورة غير مأسوف عليه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الله يرحمك يا كابتن لطيف

الكابتن "شوبير" الطنطاوى , صاحب الصوت العالى و الدم "الخفيييييييييييييييييييييييييف" بشكل يلطش , أضاف الى مجمع اللغة ...