الخميس، 21 فبراير 2013

أبو قـــــــردان



" .......أبو قردان لو بودان كان استوعظ كل آدان ....... " هكذا تغنى المجموعه – حين كان لدينا فرقة غنائيه تسمى المجموعه ما بين مطربين و مطربات يغنون للوطن و الحياه قبل أن يصبح لدينا مخنثين و مخنثات – لا أعرف ان كان هناك فارق – لا تدرى ان كان الصوت لذكر أو أنثى و لا تدرى ماذا يقول على وجه التحديد .... على رأى سمير غانم " .. هى الكوره فين .. ؟ " لنسأل نحن " .. هى الأغنيه فين ؟؟ .. "

















استمع الى كلمات المجموعه و أنا شارد الذهن أنظر من نافذة السياره فتزداد لوعتى و أنا أرى الطريق ما بين قريتنا – التى كانت قريه – و المدينة القريبه . زفرات الأسى تكاد تحرق صدرى لوعة و حزنا على المساحة الخضراء الجميلة التى كانت تفصل بينهما .
حلم الرفاهية الملعون يقتل أصل الحياة ... أصل الحضارة و نبع العطاء يغتال ما عمرته يد الأجداد و عاش عليه عظماء الدنيا ليتعلموا من جريان الماء و خضرة الزرع و الشمس المشرقة و يعلموا العالم معنى الحضارة و الرقى و الخلود . أرى كل ذلك أمامى و هو يقتل جهارا نهارا بدعوى الحداثة و المدنية و التقدم – لعنة الله على تلك الحداثة و التقدم ان كان هذا هو الثمن .
أنزل من السيارة و كلمات الأغنية ترن فى أذنى " أبيض فى ابيض و لا زعلان ... أبو قردان ". أسير فى شوارع المدينة – التى كانت مدينة – شئ يخنقنى ... أكوام القمامة .. عوادم السيارات .. لا ... ليس هذا ... انه المنظر الفج القمئ لتلك المبانى العالية ... أكاد أصرخ كالمجنون .. ألعن تلك الحداثة القاسية القلب . ألعن تلك الحضارة المزعومة المدمرة الجوفاء .
" .. لله يا محسنين .." ترن الكلمة فى أذنى .. أتلفت حولى... لا أجد أحدا ... " .. لله يا محسنين .." – يا الهى من هذا المتسول المجهول الخفى ... و ما الذى جعل الطريق فارغا هكذا ؟؟؟ ... لا أرى أحدا حولى !!
" .. لله يا محسنين .." .. أنظر حولى ... يا الهى ... لا يوجد فى الشارع الا أنا و ... هو
 " نعم  يا صديقى .. لا تخف .. انه أنا " ... يا ربى    نطق الطائر الحزين  لا حول و لا قوة الا بالله " و ماذا تفعل هنا يا طائر الحقول يا صديق الفلاح ؟"
نظر أبو قردان بعيون حزينة كسيره  ... " الحقول و الفلاح ؟ أين هم يا صديقى ؟ أتظن أنى هجرت الأرض و الفلاح و جئت أبحث عن حياة ناعمة هنا فى المدينة .. لا يا صديقى لقد عشت هنا فى هذا المكان منذ خرجت من بيضتى رأيت بعينى أرضكم الخضراء الجميلة و سرت فى ربوعها مع أبى و أمى و أصدقائى و جيرانى ننعم بالحياة الهادئة الجميلة .. نسأل عن صديقنا الفلاح ان غاب يوما ... نسير خلفه أينما ذهب ننقى الأرض و نأكل و نشبع حتى جاء يوم صحونا فيه على صوت الجرافات و خلاطات الأسمنت تغتال الأرض تغتال الحياة .... حياتنا و حياتكم و يوما بعد يوم اختفت الأرض ووجدتنى وسط عالم لا أعرفه مبانى شاهقة و سيارات تروح و تجئ .. يا الهى... لماذا فعلتم هذا يا صديقى بأرضكم ... انها ثروتكم الحقيقية طالما حكى لى أبى عن أجدادكم و عشقهم للأرض لم يهجروها يوما لم يسافروا الى بلاد البترودولار ليعودوا محملين بالمال الملعون يغتالون به سر الحياة .. لم يا صديقى ... كيف طاوعتكم أنفسكم أن تهجروا الأرض ثم تعقموها كالذى يستأصل رحم الأم الولود ثم يقتلها بدم بارد و هو سعيد بتلك المظاهر الخادعة الكاذبة ؟ أتظن أننى الخاسر الوحيد ؟؟...  لا يا صديقى
أنتم الخاسرون لقد خسرتم أنفسكم قتلتم أصل الحياه بأيديكم قتلتم نبع الحضارة و العطاء قتلتم ماضيكم و حاضركم و راهنتم رهانا خاسرا على مستقبلكم ..ز أراك تشفق على و على حالى .. لا يا صديقى أنتم الأحق بالشفقة ...  أنتم الخاسرون ...  أنتم الخاسرون ...  أنتم الخاسرون "
ترن الكلمة فى أذنى و يتردد صداها .. أفيق من هذيانى على صوت سيارة تقف خلفى و آلة التنبيه يعلو صوتها و الشارع كله ينظر الى فى اشفاق و ذهول
أصرخ فى وجوههم جميعا " أنتم الخاسرون ...  أنتم الخاسرون ...  أنتم الخاسرون"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الله يرحمك يا كابتن لطيف

الكابتن "شوبير" الطنطاوى , صاحب الصوت العالى و الدم "الخفيييييييييييييييييييييييييف" بشكل يلطش , أضاف الى مجمع اللغة ...